"أزمة وعي الشخصية النسائية في قصص يوسف إدريس القصيرة قصة النداهة نموذجا"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الأدب والنقد العربي الحديث قسم اللغة العربية – كلية الآداب جامعة حلوان

المستخلص

ومن ثمّ تسعى هذه الدراسة إلى القراءة النصية للقصة، واستخلاص الرسالة الاجتماعية من النص نفسه. وستعتمد هذه القراءة، منهجيا، على إنجازات نظريات التلقي كما أوضحها هانس روبرت ياوس  H.R.Jauss، في كتابه "جمالية التلقي"، قائلا: "إن العلاقة بين العمل والقارئ تكشف بالفعل عن جانبين؛ جمالي وتاريخي، فالاستقبال نفسه الذي يحظى به العمل لدى قرائه الأوائل يفترض حكمًا جماليًّا تم إصداره بالإحالة على أعمال أخرى سبقت قراءتها، وهذا الإدراك الأولي المحض للعمل يمكنه بعد ذلك أن يتطور ويغتني من جيل إلى جيل؛ ليؤلف عبر التاريخ سلسلة تلقيات متوالية ستقرر الأهمية التاريخية للعمل وتحدد مقامه في التراتبية الجمالية"([i]).
ولقد اهتمت الدراسات السابقة لإبداع يوسف إدريس، في معظمها([ii])، بعلاقة كتاباته بالمجتمع، وخاصة فئات المهمشين منه، مما قادها إلى الاقتصار على رؤية الرسالة الاجتماعية، أو تغليبها، مما قد يندرج تحت تحليل المضمون، مغفلةً دراسة تقنيات نصوص الكاتب نفسها، وما يمكن أن تمنحه القراءة النقدية من استراتيجيات لمقاربة النصوص، واستخلاص الرسالة الاجتماعية من توظيف التقنية، لا العكس.
تجسد شخصية "فتحية" في قصة (النداهة)([iii]) ربما النموذج الأكثر وضوحا لأزمة وعي الشخصية النسائية في قصص يوسف إدريس([iv]) القصيرة، وتختلف أزمتها عن أزمة "عزيزة" في رواية (الحرام) المغلوب على أمرها نتيجة ظروف فقيرة بائسة خاصة بعد مرض زوجها، وكذلك "سناء" في رواية (العيب) المرأة المتعلمة العاملة التي قبِلت الرشوة تحت وطأة الحاجة المادية، إلى أن أسلمت جسدها طواعية حتى سقطت سقوطا كاملا..، لكن تتمثل أزمة فتحية في نداء خفي -النداهة- والذي يجذبها نحو العيش في المدينة الحُلم أم الدنيا "القاهرة"، وهو الأمر الذي جعلها تفضل الزواج ببواب يعمل في القاهرة يدعى "حامد" إلى أن سقطت بين يدي ذئب من ذئاب القاهرة يدعى "الأفندي"، ولا يقدم الكاتب هذه الأزمة برسالة مباشرة، بل عبر توظيف تقنيات متعددة، توظيفا جماليا دالا، بحيث يمكن أن نعد هذه القصة نموذجا لاستخدام طاقة النوع القصصي بأكبر قدر ممكن من اقتصاد اللغة وكثافتها. 
 
([i]) هانس روبيرت ياوس: جمالية التلقي- من أجل تأويل جديد للنص الأدبي، تر: رشيد بنحدو، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة، العدد 484، القاهرة 2004، صـ40.
([ii]) وربما يرجع هذا الاهتمام بعلاقة كتابات يوسف إدريس بالمجتمع، لا لقصور لدى النقاد، خاصة أن كبار نقادنا في الستينيات والسبعينيات، مما سيأتي ذكر بعضهم في ثنايا هذه الدراسة، وحتى يومنا هذا، قد كتبوا العديد من الدراسات العميقة والممتعة عن كتاباته، وإنما للتوقيت الذي ظهرت فيه هذه الكتابات، أعني فترة المد القومي، وما ارتبط  بها من مدارس نقدية؛ كالواقعية الاشتراكية، والواقعية السحرية..
([iii]) النداهة هي القصة القصيرة التي كتبها يوسف إدريس في عام 1968، ضمن مجموعته القصصية التي نُشرت بنفس العنوان (النداهة) في عام 1969، والتي تشمل قصص: النداهة، مسحوق الهمس، ما خفي أعظم، المرتبة المقعرة، معجزة العصر، النقطة، العملية الكبرى، دستور يا سيدة.
([iv]) ولد يوسف إدريس في 19مايو من عام1927 بقرية البيروم في محافظة الشرقية. وكان والده كثير التنقل لعمله باستصلاح الأراضي، لذلك أرسل يوسف ليعيش مع جدته في القرية، وربما كان لهذا تأثير كبير في تجسد الحياة الشعبية المصرية في أعماله خصوصًا الحياة في الريف.

الكلمات الرئيسية