التقدم العلمي والعقلانية النقدية: "کارل بوبر" أنُموذجا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

کلية التربية-جامعة عين شمس

المستخلص

  تعد إشکالية التقدم العلمي Scientific progressواحدة من أهم الإشکاليات في فلسفة العلم المعاصرة. فالسؤال عن الکيفية التي تنمو وتتقدم بها المعرفة العلمية، ظل يلوح في الأفق طوال تاريخ العلم، وبالأخص في مطلع العصر الحديث، مع إعلان فرنسيس بيکون عن المنهج العلمي الجديد، ومع زيادة التقدم العلمي والتکنولوجي. فقد احتلت هذه المشکلة مکان الصدارة، وبزغت مواقف فلسفية عدة سعت إلى تأسيس منطق أو منهج أو ميکانزيم لعملية نمو المعرفة العلمية وتقدمها. وقد تعددت الإجابات عن الکيفية التي تتقدم بها المعرفة العلمية انطلاقا من هذه المواقف، إحدى هذه الإجابات هي أن التقدم يحدث عندما تقترب النظريات العلمية من الحقيقة أو الصدق. الإجابة الثانية هي أن التقدم يکَمن في زيادة فعالية النظريات في حل المشکلات العلمية. والإجابة الثالثة هي أن التقدم يحدث عندما يتراکم مخزون المعرفة العلمية، بيد أن الإجابة الرابعة والأخيرة، هي أن التقدم يتمثل في زيادة الفهم العلمي، أو القدرة على شرح الظواهر ذات الصلة والتنبؤ بها بشکل سليم.
        تهدف هذه الدراسة إلى تبيان الدور الفعال لإحدى هذه المواقف في معالجة إشکالية التقدم العلمي. وهو الموقف الأول، الذي يري أنصاره أن التقدم في العلم يحدث عندما تقترب النظريات العلمية من الصدق، وتقدم لنا فهما حقيقياً عن الواقع. هذا الموقف الذي يناصره
 فيلسوف العلم کارل بوبر Karl Poppe
. فالهدف الأساسي للعلم عند بوبر هو أن يقترب أکثر وأکثر من الصدق، والعلم يستطيع أن يفعل ذلک عن طريق منهج النقد العقلي Method of Critical rationalism، الذي يتضمن صياغة واضحة للمشکلات واختبار منتظم للحلول والفروض المقترحة وفقا لقواعد منهجية محددة، وإذا فشل الفرض في اجتياز هذا الاختبار يتم رفضه ويحل محلة فرض أو تخمين أخر، لتبدأ دورة الاختبار والتقييم والنقد من جديد. وعلي هذا النحو تتحدد وظيفة فيلسوف العلم من حيث هي وظيفة منهجية تکمن في الاقتراح المستمر لسلسلة القواعد المنهجية التي من شأنها أن تعزز النمو والتقدم في المعرفة العلمية. ومن ثم نتساءل: هل نجح بوبر في توضيح وتبرير العلاقة بين منهج النقد العقلي ونمو وتقدم المعرفة العلمية؟ وإذا کان التقدم العلمي مرهون بالکشف عن الحقيقة أو الاقتراب من الصدق، فما المقصود بالصدق وما هو معياره من منظور بوبر؟ وهل من الممکن حقا وجود حساب واحد متکامل وموضوعي يقدم لنا فهماً حقيقياً للواقع المادي؟، وإذا کان الأمر کذلک، فهل يمکن اعتبار المقياس الصحيح للإنجاز العلمي هو المدي الذي توصلت إليه النظرية العلمية من تحقيق هدف العلم وهو النمو والتقدم نحو الحقيقة أو الصدق؟ تلک المسائل سوف نتناولها بالتحليل والنقد في ثنايا هذه الدراسة.
       نزعم أن نموذج العقلانية النقدية الذي أسس إليه کارل بوبر، مدخلاً جيداً لمعالجة إشکالية التقدم العلمي. ونستند في هذا الزعم إلى مجموعة من المبررات منها: أن عقلانية بوبر تستند الي النقد وقابلية المراجعة والتفنيد المستمر، فليس ثمة نسق أو نظرية نهائية في الفکر العلمي؛ لأن العقل ومن ثم مفهوم العقلانية يتجدد باستمرار على ضوء التطورات والثورات العلمية المستمرة. وقد أثبت العلم ذلک، فطوال تاريخ العلم تبرز نظريات على السطح ثم يتم دحضها لتحل محلها نظريات بديلة. کذلک فإن الخط الفکري الذي أسس إليه بوبر، أو لنقول منطق التقدم العلمي الذي قوامه النقد العقلي والتفنيد المستمر، کان نموذجا حذا حذوه العديد من فلاسفة العلم المعاصرين اللذين تناولوا مسألة التقدم العلمي أمثال "توماس کونKuhn، "أمري لاکوشLakatos، غاستون باشلارBachelard...  وغيرهم، لذا تتمثل أصالة بوبر في کونه أسس منطقاً عقلانياً نقدياً للکشف العلمي عُد إرهاصا للعديد من فلاسفة العلم اللاحقيين.
      وقد تبين في ختام هذه الدراسة أن منهج بوبر النقدي قد استطاع أن يُحدث تحول في بنية المعرفة العلمية أنداک من الإثبات والتأييد إلى الرفض والتکذيب، ومن ثم أحدث قطيعة معرفيه وتطورا في منطق ومنهج المعرفة العلمية. بالإضافة الي ذلک فإن الدراسة تطرح فکرة التعددية المنهجية، کرؤية تکاملية لفهم عملية التقدم العلمي. والتي من شأنها أن تتغلب على بعض المشکلات التي واجها حساب الاقتراب من الصدق الذي أسس إليه کارل بوبر.
     وقد اعتمدت هذه الدراسة لتحقيق الأهداف المرجوة منها على منهجين: الأول المنهج التاريخي لتتبع مسالة التقدم العلمي من منظور تاريخ العلم والوقوف على أهم الفترات التي تمثل قفزات أو ثورات في طبيعة المعرفة العلمية. والثاني منهج التحليل النقدي، لرصد وتحليل معالم سمات العقلانية النقدية کما عبر عنها کارل بوبر والکشف عن دورها نحو تقدم المعرفة العلمية.
الکلمات المفتاحية
التقدم العلمي                  
العقلانية النقدية
فلسفة العلم                     
منهج التکذيب
الصدق
Scientific Progress and Critical rationalism:
Karl Popper  as a model
Apstract
        The problem of scientific progress is one of the most important problems in contemporary philosophy of science. The question of how scientific knowledge grows and advances has been looming throughout the history of science, especially at the beginning of the modern philosophy, with Francis Bacon’s announcement of the new scientific method, and with the increase in scientific and technological progress. This problem has taken center stage, and several philosophical positions emerged that sought to establish a logic, method, or mechanism for the process of growth and progress of scientific knowledge. There have been many answers about how scientific knowledge advances from these situations. One of these answers is that progress occurs when scientific theories approach truth. The second answer is that progress lies in increasing the effectiveness of theories in solving scientific problems. The third answer is that progress occurs when the stock of scientific knowledge accumulates. However, the fourth and final answer is that progress is an increase in scientific understanding, or the ability to explain and correctly predict related phenomena.
         This study aims to show the effective role of one of these positions in styging the problem of scientific progress. It is the first position, according to its proponents, that progress in science occurs when scientific theories approach truth and provide us with a true understanding of reality. This position is giving by the philosopher of science Karl Popper. The main goal of science for Popper is to get closer and closer to truth, and science can do that through the Method of Rational Criticism, which includes a clear formulation of problems and regular testing of proposed solutions and hypotheses according to specific methodological rules, and if the hypothesis fails to pass this test. It is rejected and replaced by another hypothesis or guess, so that the cycle of testing, evaluation and criticism begins anew. In this way, the function of the philosopher of science is determined - as it is - a methodological function that lies in the continuous proposal of a series of methodological rules that would promote growth and progress in scientific knowledge. Then we ask: Did Popper succeed in clarifying and justifying the relationship between the rational criticism method and the growth and progress of scientific knowledge? If scientific progress is contingent on revealing the truth, what is meant by truth, and what is its standard from Popper's perspective? Is it really possible to have a single, integrated and objective account that provides us with a true understanding of material reality, and if so, can the correct measure of scientific achievement be considered the extent to which the scientific theory has achieved the goal of science, which is growth and progress towards truth or real? These issues will be dealt with by analysis and criticism in  this study.

الكلمات الرئيسية