مراحل البحث عن اليقين عند مصطفي محمود

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

جامعة عين شمس کلية التربية قسم فلسفة واجتماع

المستخلص

ويروى الدکتور مصطفي محمود عن الشک وأهميته للإنسان:
ليس بإنسان من لم يتوقف لحظة في أثناء عمره الطويل ليسأل نفسه. ما الحکاية بالضبط. من أنا ومن أکون، ومن أين جئت وإلى أين أذهب، وما مصيري وما الحکمة من الألم، وما الهدف من الوجود، وعلام هذا اللهاث المجنون وآخر السعي موت وتراب ولا شيء.. إن الحياة دون إيمان ودون يقين بوجود إله عادل هي عبث صرف بلا معنى وبلا سند وبلا رصيد.. وهي عذاب بلا حکمة وألم بلا عوض ومغامرة بلا عائد ومشروع بلا ضمان.
والإنسان إذا خلت حياته من الله هو مشروع فاشل نهايته اليأس والانتحار. وإذا کانت الحياة استمرت ثلاثة آلاف مليون سنة فلأن الله فيها ومعها ومن ورائها ومن حولها يهديها ويدعمها ويساندها وينورها.. ووجوده سبحانه وتعالى ضرورة مطلقة.
الإنسان والله والکون قضية واحدة لا يفهم إحداها إلا بالأخرى ولا ينفصل طرف منها عن الآخر فالله يفارقنا بعلوه، ولکنه فينا واقرب ألينا من حبل الوريد. فأينما تولوا فثم وجه الله. وهو معکم أينما کنتم ما يکون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم بل هو الجمال في کل جميل والقوة في کل قوى والقدرة في کل قادر وهو سبحانه نور السموات والأرض. ويؤکد لنا الدين هذا الشعور دون تفلسف فيعطي المؤمن جرعة من الراحة والسکينة والطمأنينة تکفي مدى عمره فلا يعود يسأل أو يتسأل وإنما ينطلق يسعى ويعمل جاهداً في سبيل الخير والبر. غير ناظر إلى مکافأة أو عوض لأن الله ذاته هو العرض. وليس بعد الله شيء ثم هو يسعى دون خوف من مرض أو موت فهو يعلم أنه لا موت وإنما کدح إلى الله وسير في المنازل وصعود في معراج من التحولات لا يعلم کيف تکون فذلک غيب ولکن إيمانه بغنيه ويمتد به عبر الغيب وبطول الشهادة کلها.
فالدين في ذاته علم هو علم بالله لا ينفصل عن العلم بمخلوقاته، فالمعرفة بالصانع لا تنفصل عن المعرفة بصفته.. بل إن کان معرفة منه تؤيد الأخرى وتعضدها ولا تناقضها أو تنفيها.. فالکون کله بما يتجلى فيه من وحدة القوانين ووحدة الخامة وانسجام الألوان والأشکال، هو خير شاهد على وحدة الصانع.. والکون هو مجال لقدرات الله وأفعاله وصفاته(1).